لسر وراء نجاح أحمد حلمى يرجع إلى ان نجاحه لا يدفعه إلى التكرار، ولكنه يقوده إلى مناطق أكثر ابتكاراً وتجريباً.
وفى عمله المختلف 1000 مبروك الذى كتبه الثنائى محمد دياب وخالد دياب وأخرجه أحمد جلال فى تجربته الثانية معه بعد "كده رضا" ينجح هذا الفريق فى تقديم فكرة فلسفية صعبة فى اطار شديد الإبهار يجمع بين الضحك والدموع.
انها كوميديا سوداء مستوحاة كما يذكر صناع الفيلم من اسطورة سيزيف الاغريقية، وهو الرجل الذى ارتكب ذنباً عاقبته عليه الآلهة بأن يحمل صخرة هائلة إلى قمة جبل ، وما أن يصل إلى القمة حتى تسقط الصخرة ، ويصبح عليه أن يعود من جديد لحملها إلى القمة وهكذا بدون توقف.
وقد وجد الفيلسوف الفرنسى ألبير كامى فى هذه الاسطورة ما يشير إلى عبثية الحياة، وإلى المأساة الأرضية التى نعيشها ولا يوقفها سوى الموت.
فى 1000 مبروك يلعب أحمد حلمى دور سيزيف العصرى، انه الشاب أحمد جلال عبد القوى يعمل فى احدى شركات البورصة، ولكنه انسان يسير جنب الحيط، يرفض المغامرة من أى نوع، ولذلك يختار ان يكون محاسباً.
أفكاره أنانية لا يريد منها سوى حماية نفسه وعمله، ولذلك سيقترح الاطاحه ببعض الموظفين غير المعينين لتوفير بعض الأموال، حتى فى المنزل لا يهتم سوى بنفسه وبأناقته خاصة أن اليوم هو يوم زفافه إلى حبيبته مريم.
ولكن شخصاً مثل أحمد سيجد نفسه فى دائرة جهنمية حيث يدخل من حلم إلى حلم تتكرر فيه نفس التفصيلات ولكن بتغييرات طفيفة في كل مرة.
الكابوس انه اصبح – كلما تكرر الحلم – يعرف ان نهايته هى الموت بأشكال مختلفة، ويصبح سؤال الفيلم الذكى والعميق هو: هل نستطيع ان نغير اقدارنا وخطوط حياتنا العامة أم أن ما نملكه فقط أن نغير فى التفاصيل؟
الإجابة التى توصل إليها أحمد هى اننا نستطيع ان نغير فى تفاصيل ودوائر الواقع الصغيرة لنجعل حياتنا أفضل وأكثر فائدة للآخرين وخاصة أولئك الذين نحبهم مثل أم أحمد التى اكتشف بالصدفة انها تخفى عنه مرضها بالسرطان.
أما الدائرة الكبرى وهى ثمثل الأقدار التى لا دخل لنا فيها مثل الموت وموعده فلا نملك إلا ان ننتظره بشجاعة سيزيف، ولذلك سيتكرر فى أحلام أحمد المركبة الاستيقاظ في العاشرة صباح يوم الزفاف، وسيتكرر الموت فى تمام الساعة الثانية عشرة مساء نفس اليوم.
الفكرة صعبة وتليق بفيلم جاد تخاصمه المتعة، ولكن بناء السيناريو الذى يقوم على دوائر مغلقة تعود بنا إلى نفس النقطة جعل الأمر شبيه باللعبة.
فى البداية يتابع المتفرج اللعبة من خارجها، بل ويضحك أيضاً بصوت عال على هذا الشاب الذى تحاصره الأحداث المتكررة، والذي يموت فى الحلم ليستيقظ فيمر بنفس الأحداث ويموت فيستيقظ من جديد.
وتصل المفارقة إلى ذروتها عندما يحاول أحمد تغيير ما سيحدث مستخدما عصا غليظة فى ضرب الشخصيات التى اصابته بالجنون، ولكن مع تدفق الاحداث ستكتشف ان الضحك أصبح له بعض المرارة لأننا فى نفس موقف أحمد، نحن أيضا لدينا وقت قصير لنختار بين أشياء محدودة، ومهما كان الاختيار فإن المباراة لابد أن تنتهى بلحظة الموت، ولذلك ستكتسب تضحية أحمد الأخيرة معنى انسانياً رائعاً ومؤثراً بعد أن تخلص من أنانيته، وبعد أن عرف واختار ان يكون غائباً حاضراً رغم موته بدلاً من أن يكون حاضراً غائباً رغم حياته!
يستحق صناع هذا العمل الهام التحية وعلى رأسهم المغامر الموهوب أحمد حلمى وهو مشخصاتى رائع يمكن أن يضحك بدون افتعال، كما يستطيع أيضاً أن يقدم مواقف مؤثرة، وفى رأيى انه يستطيع تقديم تجارب أكثر عمقاً مستقبلاً وبالذات مع مخرج حرفى بارع مثل أحمد جلال الذى نجح فى توظيف كل العناصر خاصة مونتاج معتز الكاتب وموسيقى عمرو اسماعيل وصورة أحمد يوسف وديكور باسل حسام لاستدراج المتفرج للبحث عن معنى للحياة مع بطله الشاب سيزيف العصرى.
............